المنتدى العربي
المنتدى العربي
المنتدى العربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
مرحبا بكم جميعا في المنتدى العربي منتدى الهمسات الأدبية  مرحبا بكل من يأنس في نفسه كفاءة الإفادة مرحبا بكل من يبحث عن الإستفادة  المنتدى منكم و إليكم فلنعمل جميعا على تطويره و الرقي به   إدارة المنتدى    

 

 أنار البدر فأظلمت السماء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
شهد ع

 مشرفة القصص 
شهد ع


انثى عدد الرسائل : 380
العمر : 34
تاريخ التسجيل : 20/08/2007

الأوسمة ونقاط التميز
الأوسمة: الدرع الذهبي لستارز
نقاط التميز: 600

أنار البدر فأظلمت السماء Empty
مُساهمةموضوع: أنار البدر فأظلمت السماء   أنار البدر فأظلمت السماء I_icon_minitime2008-03-22, 23:28

إنها ليلة مقمرة ..... إنه البدر ما أشد ضياءه ! ....... خيوطه المشعة تسقط على أحياء غزة تلونها بلون فضي ، متسللة إلى خبايا نفسي ، لتحرك فيها ألماً دفيناً كنت قد دفنته هناك منذ سنوات أربع...

ما أقساك أيها البدر!........ إنك دوماً تلامس أشجاني كلما نظرت إليك ........ فتذكرني به دوماً ....... إنك تشبهه جداً ......



أخذت نفساً عميقاً أعقبته بتنهيدة طويلة قبل أن أفتح مذياعي لأسمع شيئاً من نشيد روحاني يأخذني إلى عالمي البعيد ، أو قليلاً من تلاوات تسكن آلام قلبي ...... كانت محاولات يائسة مني علني أنسى ما كان...

فتحته فإذا هو نشيد يلامس شغاف قلبي قبل أن تطرب له أذني ....... ما أعذب صوته !..... ما أقوى وقع كلماته في نفسي!..... إنه يتغنى بها كما لو أن قلبه يصدح بها يناشدنا أن نشاركه قليلاً مما يحمل...... كلمات رقيقة تغزوها أشجان عرفتها ....... بل حفظتها كما لو أنني ولدت بها .......... كيف لا وقد فقدته إلى غير رجعة ؟! ....

أنشدها بكل ما يملك من رقة ورهافة حس ، ساكباً بها دفقات من تقوى تعيد للنفس بعضاً من أمل كان قد رحل يوم رحيله...



وغارت الحوراء وغارت حور العين

بلقياك تباهت يا أحمد الياسين

أملت لقاء الله فلباك النداء

رحلت إليه شهيداً أشلاء ودماء



مر شدوه على جرح لم يندمل ...... تخطت كلماته حواجز جرحي الصامت الغائر لتأخذ طريقها إلى ذاكرتي الصغيرة ، كي تستخرج منها ذكريات ذلك اليوم ...... كيف يمكن أن أنسى ذاك الإثنين ........ أجل أذكره جيداً كما لو كان بالأمس...

كانت خيوط الفجر قد بزغت قبل دقائق معدودة لتعلن عن صباح جديد .. وها قد دقت الساعة السادسة صباحاً من اليوم الثاني بعد العشرة الثانية من شهر مارس في السنة الرابعة من الألفية الثانية..
يومها استيقظت مبكرة قبل أن توقظني والدتي لأتجهز للذهاب إلى المدرسة كما هي العادة ...... أصوات متفرقة تخترق مسامعي ...... لم أكن قد أفقت تماماً حينها لكنني كنت أعي أن هذا الضجيج غير معتاد في مثل هذه الأوقات في حيِِنا.. نهضت من فراشي مسرعة كي أعرف ما يحدث ...... لا شك أنه أمر جلل .....

رويداً رويداً بدأت الأصوات تتضح..... إنها المساجد ...... المآذن تردد بصوت تخالطه دموع القارئ ... "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون" ...

شهيد ...... إنه شهيد ..... اعتدنا هذا حين يكون هناك شهيد لكن ... من؟ .. تراه من يكون ؟!



أنفاس متلاحقة ...... أفكار متضاربة ...... نبضات حارقة ..... ونظرات متسائلة ...... (كانت ) كل ما كنت أملك حينها.. بخطى متثاقلة وصلت حيث والدتي.. لا شيء سوى صمت متأهب أجبر أمي أن تطلق سراح الكلمات ..... الشيخ أحمد استشهد ...

الشيخ أحمد استشهد .... الشيخ أحمد ؟ .... الياسين ؟ ... كلا لا يعقل .... كيف تمكن منه أولئك الأوغاد؟! .... لا يمكن ..... كان الصمت الذي أطبق على المكان كفيلاً بأن يؤكد أن هذا هو الفاجع البين الذي أصابني....

لم أعرف حينها أكانت تلك صاعقة من نار جعلت الدماء تغلي في عروقي ، أم هو ماء زمهرير سكب علي جمد الدموع في عيني .... كان مزيجاً منهما .... عروق تغلي ، ودموع تنحبس....


بهدوء كما أتيت غادرت .... عدت إلى فراشي الذي كان دوماً الملاذ الآمن والوحيد لدموع طالما سكبتها في أحضانه ..... فراشي سيشهد اليوم دموعاً ممزوجة بدماء غضب تتوعد بالثأر ...

ما إن دخلت فراشي حتى كانت التفاتة مني فجرت بركاناً من عبرات كانت منحبسة....

ليتكم تعلمون ما كان في تلك الالتفاتة ؟ .... إنها صورته .... كنت أعلقها على الحائط بجواري حتى أمتع ناظري برؤيته قبل أن اسلم الروح كل ليلة ، فمن يدري إن كانت عائدة أم راحلة على الأبد ؟ ...

التفت إليه ، وأنعمت النظر في ابتسامته الساحرة .... شلال من دموع منعني من رؤيته بوضوح .... لكن كلماتي خرجت تفجر أي صمت كان سيسود بعدها...



لماذا رحلت الآن؟ ... لماذا لم تأخذني معك ؟..... ألم أتفق معك تلك الليلة هنا وفي هذا المكان أن نغادر معا ؟...... ألم أخبرك شيخاه أن لا حياة لي بعدك ؟.... ألا تذكر هذا شيخي ..... هنا حبيباه اتفقنا .... أموت فتحيا ، أو نموت كلانا معا ...... لماذا رحلت بدوني؟....

بكيت كما لم أبك من قبل حتى أنهكني البكاء... وشعرت باختناق شديد كأن جبلاً يربض على صدري.. خارت قواي فغرقت في نوم عميق كنت بحاجته جداً علني أعود إلى بعض من طبيعتي فأتقبل أنه شهيد بإذن الله .... حي في جنة خلد .... منعم في عدن .... يضمه الفردوس الأعلى برفقة أحبائه الذين سبقوه .... لكن هيهات .. هيهات ..



استيقظت يحذوني قليل من أمل أن يكون ما رأيته مجرد حلم و انتهى .... فتحت النافذة ونظرت برأسي.... سماء شاحبة ..... شوارع فارغة .... عيون واجمة ..... كلها تآمرت علي لتؤكد الفاجعة بفقده......

أجل ... استشهد و بكيت ... آلام عيني تؤكد ذلك ...



أملي أن يرضى الله عني .... كلماته اخترقت مسامعي كالرصاص ، فأسرعت يهديني صداها حيث منبع الصوت.. إنها شاشات التلفاز.... هذه تعرض كلماته ... و تلك تعرض سيرته..... أما هذه _ فويل الأوغاد _ تعرض أشلاءه و أشلاء كرسيه المتناثرة في جنبات المكان تنثر زكي عطرها في أرجائه ......
جنازة شيخي كانت موقفا مهيبا يصعب وصفه ، ويعجز اللسان عن التعبير عنه .... كان محمولاً على الأكتاف ... رايات الشهادة تلفه من كل مكان ... رأسه كان يظهر بارزاً كأنه أبى حتى عند موته الذل والضيم.. كانت ابتسامة المرسومة بكل دقة وعناية تكسب وجهه ضياءً يبعث في النفوس الملتاعة دفقات من ورعٍ وشوق للقيا ...



هكذا رحل الياسين الأحمدي وتركني خلفه أرثيه وأذرف دموعاً لن تنتهي .... مات الياسين وتركني وحيدة هنا ....

مات الإمام ، وأنار بدره فأظلم ليلنا .....

كان بدراً ..



تنبهت من ذكرياتي على حرارة الدموع تستقر في جنبات قلبي..

مسحت دموعي وحفرت على جدران مأساتي .. نم في سلام .. نومة الأبطال .. ثأرك قادم .. وطني عائد .. فأنا لا زلت هنا ..



بقلم من دمع ودم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أنار البدر فأظلمت السماء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العربي :: 

منتديات الإبداع و النقاش :: القصة القصيرة

-
انتقل الى: